قد يصبح من الذكريات الجميلة لدى المقيمين المصريين في الكويت الحديث عن قوتهم الشرائية خارج بلادهم، من السيارة الحديثة والمفروشات الأنيقة... مع الاحتفاظ بهامش لا بأس به من مدخراتهم.
حسين، أحد المقيمين المصريين الذين كانوا يخططون لشراء سيارة حديثة، وبلغة الأرقام لم تكن قيمة هذه السيارة تتجاوز 10 الآف دينار، «ربع مليون جنيه وقتها»، وهذا لا يعني أن الرجل يمتلك كل هذا المبلغ، لكن أقله يعتقد أنه يمكنه سداد جزء منه من مدخراته مع استكمال الباقي على شكل أقساط، ومع التراجع الكبير في سعر صرف الجنيه، بات لحسين نظرية اقتصادية مختلفة كلياً، فثمن السيارة بسعر الأمس بالجنيه بلغ تقريباً نصف مليون، الامر الذي دفعه الى صرف النظر.
أما إيهاب، فلم تكن حساباته تعتمد على معادلة قيمة سعر الاجهزة الكهربائية المنزلية الترفيهية والمفروشات بالجنيه قياساً بالدينار، على اعتبار ان العلاقة بين سعر صرف العملتين كانت معقولة، لكنه الآن، تحول مثل غالبية المصريين إلى المتابعة الحثيثة لأسعار الصرف المتغيرة لأكثر من مرة في اليوم الواحد، ولم يعد ايهاب يذكر في حساباته الشخصية قيمة الاجهزة الكهربائية والاثاث التي كان يرغب بشرائها بالدينار بل فضل التفكير بالجنيه والاحتفاظ بذكرى الحديث عن مخاطر تجربته أمام أصدقائه.
وفي هذا الخصوص يمكن القول إن المحدد الرئيس لشراء أي سلعة استهلاكية في الكويت أصبح يقاس بقيمتها الحقيقية بالجنيه وليس بالدينار، ولذلك لم يعد مستغرباً في النقاشات اليومية للمقيمين المصريين ان تسمع أن قيمة سندويش الفلافل، على سبيل المثال، باتت تعادل أكثر من خمسة جنيهات، دون الالتفات إلى ان سعر السندويش في الكويت لم يتغير عن 100 فلس.
وبجردة بسيطة لاحجام مشتريات المصريين وأنواعها في الكويت أخيرا، وهذا ينسحب بالطبع على غالبية دول الخليج، يمكن ملاحظة أن شيئاً ما تغير في السلوك الشرائي للمصريين، وبدأ ذلك يظهر جلياً بالتدرج مع التدهور الحاصل في سعر العملة المصرية، وبلوغ سعر صرف الجنيه مستويات غير مسبوقة في السوق الثانوي «السوداء»، حتى أصبحت النظرة شبه الغالبة لدى المصريين في الكويت مقدرة على أساس قيمة الجنيه المصري وليس قيمة الدينار.
ونتيجة لذلك أصبح قرار شراء سيارة حديثة أو أي من السلع الاستهلاكية الاعتيادية التي ترتبط عادة باسم ماركة ما، بما في ذلك المشتريات البسيطة التي لا تتجاوز قيمة شرائها مجرد رقمين فقط، مجرد رفاهية فكرية، أمام تراجع أسعار الجنيه مقابل الدينار إلى معدلات ملموسة، قادت العديد من المصريين إلى إعادة نظرتهم الاستهلاكية، لدرجة أن سعر صرف الجنيه اليومي بات الحافز للمصريين على الشراء وليس رغبتهم فيه،
ومن ثم لم تعد تأثيرات تراجع سعر صرف الجنيه فقط على بلد العملة بل سيمتد من الناحية الاقتصادية، سواء بشكل مباشر أوغير مباشر، على مختلف قطاعات اقتصاد البلاد الاستهلاكية التي يعمل فيها المصريون، مع الأخذ في الاعتبار أن تداعيات ذلك لا تتعلق بالسوق الغذائية، وتحديدا السلع الاعتيادية التي لا يستغني عنها كل بيت، ولكنها تتعداها الى مشتريات أخرى، بات مجرد التفكير فيها نوعاً من الرفاهية غير المقبولة ولا المنطقية، وبالتالي فإن شهية الشراء ستحددها فقط الحاجة الملحة الى السلعة أكثر من أي عامل آخر.
اترك تعليقا: