فمع استمرار أزمة بلدهم، ومعاناة أهلهم وأبناء وطنهم، وصلت تبعات تلك الأزمة إليهم هنا، فعاشوا تفاصيل المعاناة بصغيرها وكبيرها، وهم مع كل سنة تمر على أزمة بلادهم تزداد معاناتهم.
وفي خضم الحديث عن قضية اللجوء التي يعيش الشعب السوري تفاصيل مأساتها شمالا وجنوبا، في ظروف إنسانية لم يشهدها شعب في التاريخ الإنساني الحديث، تبرز قضية السوريين المقيمين في دول الخليج منذ ما قبل الأزمة، وما قد يجعلهم ضمن مسمى «لاجئين»، الامر الذي تنفيه الوقائع نفيا قاطعا. ففي الكويت على سبيل المثال، عاش السوريون وضعا صعبا منذ اندلاع ثورة شعبهم في بلادهم، ولاسيما بعد إغلاق سفارة النظام في الكويت، فقد تقطعت السبل بالمواطنين السوريين، في تجديد وثائق سفرهم «الجوازات» وأصبحوا عرضة لعصابات النصب والاحتيال بعد أن صار لزاما عليهم تجديد الجوازات في دول الخليج الأخرى، ثم برزت معاناة أخرى بدفع غرامات تأخير. وهم فوق هذا وذاك أصبحوا محرومين من استقدام ذويهم من سورية.
إذاً لا يمكن إطلاق لقب «لاجئ» على السوري المقيم في الكويت، وكذلك في دول الخليج كلها، فصفة اللاجئ تنتفي تماما عن السوريين هنا، لأن السوري مقيم بصورة نظامية يدفع كل عام رسوم تجديد الإقامة كأي وافد من جنسية أخرى، ويعمل في أحد القطاعات بالدولة، الخاصة منها والعامة، ويدفع إيجار الشقة التي يسكن فيها، وتنطبق عليه الانظمة والقوانين التي تنطبق على كل الوافدين، ولم تشهد البلاد أن قدمت المساعدات للسوريين المقيمين بسبب أزمة بلدهم، وما قد يتم من مساعدة تكون بشكل فردي، تماما مثل أي وافد يحتاج إلى مساعدة. لذلك لا يمكن أن نطلق على السوريين في الكويت لقب لاجئين.
وهنا لا بد من الإشارة والتنويه إلى ما قدمته الكويت حكومة وشعبا للسوريين في أزمتهم، من مساعدات فاقت في حجمها كل ما قدمته دولة أخرى، بل إن حجم المساعدات الكويتية للشعب السوري توازي ما قدمته مجموعة دول مجتمعة، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، ولا تزال الشواهد قائمة عليها، سواء في الأردن او لبنان أو تركيا، وحتى في الداخل السوري. ولكن السوري فيها مقيم رسمي بإقامة عمل يجددها دوريا ويدفع الرسوم الخاصة بها، فلا هو يسكن في خيمة أو يتلقى مساعدات، بل يعيش حياته العادية وفق القوانين السارية على جميع المقيمين في الكويت، فمعظم السوريين المقيمين في الكويت، «إذا لم نقل كلهم» موجودون على أراضيها قبل اندلاع الثورة، ولم يخرجوا من الحرب تاركين وراءهم بيوتا وأموالا طالبين اللجوء والمساعدة، برا عبر «شاحنات الرعب» أو بحرا عبر «قوارب الموت»، بل أن نسبة كبيرة من الشعب السوري المقيم في الكويت من مواليدها أصلا، ويعيشون فيها منذ عشرات السنين. «الراي» استطلعت، آراء السوريين المقيمين في الكويت تجاه هذه القضية، فتسأل الطالبة الجامعية، دانة المصري على أي أساس يتم تصنيف السوريين في الكويت لاجئين؟ ومن صنفهم كذلك؟ مضيفة أن «اللاجئ على حد علمي هو شخص دخل دولة من حدودها البرية وغير مصرح له بالإقامة سوى في المخيم، لأنه يتلقى كافة أمور معيشته من مسكن ومأكل وملبس من جهات ومنظمات خيرية، كالأمم المتحدة على سبيل المثال، ولكن من يعمل بيديه ويعيل نفسه وعائلته ماديا، لا يعتبر لاجئا في أي بلد سواء دخلها قبل أو بعد وقوع الحرب في بلده».
أما العامل، يوسف غازي فيبدي رأيه بالقول «أنا لست لاجئا بالتأكيد، أقوم بدفع جميع الرسوم المستحقة علي، لا شيء مجانيا لا إقامات ولا مدرسة ابنتي، حتى الصحة أدفع رسومها، بأي حق يطلق علي اسم لاجئ؟ ماذا قُدم لي؟ هل أتت مفوضية اللاجئين إلى الكويت ودخلت بيوت السوريين ورأت أن شروط اللجوء مستوفاة لديهم؟ أنا أدفع إيجار منزلي لا المفوضية ولا حتى الهلال الأحمر يدفعونه بالنيابة عني».
وأضاف يوسف «سابقا قبل اندلاع الثورة السورية كان هنالك نظام من أجل غرامات المخالفين للإقامة، كأن تذهب للمحكمة لتعفيك من الغرامة أو تقسطها لك كأبسط حل، بعد الثورة القرار ألغي، أحاول إدخال أختي الكويت ولم أستطع، وعندما كلمت المسؤولين يردون علي بالقول (أنت تطلب لبن العصفور)، حتى الهيئات واللجان الإسلامية هنا لا تستقبل أي محتاج سوري كان أو غيره إذا كانت بطاقته المدنية منتهية، فكيف أكون لاجئا؟».
وأبو ياسر، صحافي مقيم في الكويت منذ عام 1992، يقول «لا أعتقد أنه يوجد لاجئون في الكويت، هذا حديث غير دقيق، وكل من دخل الكويت من السوريين بعد الثورة، هم ملحقون بعائل أو أقارب لهم هنا، أين اللاجئون؟ هناك حالات عدة للسوريين يعانون من مخالفات الإقامات، نعم نعلم أن هذا في إطار تطبيق القانون ولكن ممكن تطبيقه ببدائل أخرى، فالمخالف مثلا عليه أن يدفع غرامات مخالفته (كاش) لماذا لا تقسط إذا كانوا يريدون تقديم الخدمات للسوريين في الكويت».
وأردف «الطلاب المخالفون بسبب انتهاء جوازات سفرهم، ويمنعون من التسجيل بالمدارس، فما ذنبهم؟، هم لم يخلقوا هذه المشكلة بل هي موجودة ولا يملكون لتغييرها شيئا، هم ليسوا طرفا في هذه المأساة، ومع ذلك يحملون الهم وسيعيش هذا الأمر في ذاكرتهم للأبد، نعم المساعدة للمقيمين السوريين موجودة، لكنها لا تقارن بحجم المأساة التي يعيشها الشعب السوري».
وبدورها تقول نور محمد، ممرضة، «أولا أنا لست لاجئة، أنا مقيمة، باعتبار أني قضيت أغلب حياتي ودراستي هنا، وبدأت حياتي العملية هنا، أما والدي فقضى 35 عاما من عمره هنا، ولدي إخوة من مواليد الكويت أيضا، ثانيا ما أعرفه و يعرفه الجميع أنه ومنذ بداية الثورة السورية، ممنوع دخول السوريين إلى الكويت، فكيف يكون هناك لاجئون في الكويت إذاً؟، أما ثالثا اللاجئ هو من لا بيت له و يقطن في الملاجئ أو المخيمات، فأين تقع منطقة أو خيم اللاجئين في الكويت؟ أؤكد لك عدم وجود ما يسمى باللاجئين السوريين في الكويت بأي شكل من الأشكال».
ويقول المقاول، صالح العلي، والذي يعيش في الكويت منذ نحو 20 عاما «المقيمون السوريون ليسوا لاجئين، وهم يقيمون هنا بتعبهم وعمل ذراعهم، ويدفعون الطوابع والتأمينات الصحية التي سمعنا أنها سترتفع أخيراً، وعن نفسي فمصروفاتي الشهرية تقدر بـ1000 دينار بين إيجار وأقساط مدرسة ومصاريف منزل، ولم أتلق معونة من أحد، والمعونات المقدمة من بيت الزكاة أو اللجان الخيرية لبعض الأسر المحتاجة المتعففة، هي لجميع المقيمين من جميع الجنسيات وليست حصرا للسوريين، السوريون ليس لهم أي معونة خاصة، هذا عدا أنني لم أستطع أن أستقدم أيا من عائلتي من سورية عقب الثورة وإلى الآن».
اترك تعليقا: